الثلاثاء، 17 مارس 2020

بين العلم و الإيمان



 يذكرنا عنوان هذا المقال بالبرنامج الشهير الذى كان يذيعه العالِم (مصطفى محمود) الذى يسمى العلم و الإيمان.
كان لهذا البرنامج شهرة واسعة و حاز على إهتمام الكثيرين و ذلك لأن العالِم مصطفى محمود نفسه رفض فى البداية تصديق وجود الله إلا بالدليل العلمى و المنطق.
 كان مصطفى محمود محط سخرية و جدل بشكل كبير لدى الكثير من المصريين، و ذلك ببساطة لأن الدين فى مصر متأصلاً منذ فجر التاريخ ، و فكرة رفض الدين - أياً كان - فى مصر تعتبر مُنفرة و غير مقبولة  بدءاً من الديانة المصرية القديمة التى آمن تابعيها بوجود إله واحد يفوق تصور العقل و حدود البشر مروراً باليهودية ثم المسيحية فالإسلام.

ثم تغير رأى هذا العالم بعد الكثير من الأبحاث و أصبح مؤمناً بالله فى النهاية و قدم هذا البرنامج التليفزيونى حيث ربط بين كل من العلم والإيمان و تحدث عن دلائل وجود الله من الكون نفسه وبالأدلة العلمية ، مُحدِثاً غيره من غير المؤمنين الذين يحتاجون للأدلة العلمية ذاتها ليؤمنوا و خصوصاً مع تقدم العلم هذة الأيام و محاولاته لوضع تعريفات مادية لأشياء معنوية فى الأصل كالروح و الإيمان و حتى الذكاء ، مع كل هذا التقدم يرفض البعض التصديق فى وجود الله إلا بالمنطق و الدلائل العلمية الأكيدة . فهؤلاء غير المؤمنين ينظرون إلى الدين على أنه مخدرات العصر!

و لكن دعونى أتحدث عن الأمر بشكل أكثر دقة
ما هو الإيمان بالتحديد؟

عندما تشعر بالثقة تجاه شخص أو شئ، فغالباً ما يكون لديك دليل ليدعم هذة الثقة
مثل أن تثق فى فلان لأن له أكثر من موقف جدير بالإحترام أو التقدير ، ففى هذة الحالة أنت لديك خبرة سابقة جيدة بالشخص تقول لك أن تثق به
حتى أن الجماد يمكنك أن تثق به ، فمثلاً أن تثق فى إنتاج ألة معينة لأنك واثق أنها جدية الصنع و موصلة بشكل جيد و سبق لك أن جربت الألة و تأكدت من جودتها و جودة إنتاجها
من هنا يمكننا أن نقول أن الثقة تتكون نتيجة خبرة سابقة أو أكثر تعرض لها الشخص من الشئ الموثوق به.
فهل الإيمان مثل الثقة؟
عندما حاولت بشكل شخصى تحديد تعريف للإيمان وجدت أنه أقوى بكثير من الثقة و يحتاج إلى طاقة نفسية هائلة. فالإيمان أصعب لأنه فى هذة الحالة عليك الثقة فى شخص أو شئ بدون أن تعرف ما اذا كان جدير بهذة الثقة أم لا أو يكون لك خبرة جيدة سابقة بهذا الشئ بل و الأصعب أن تكون هذة الثقة موجودة و قائمة حتى فى حالة تعرضك لخبرات سيئة سابقة تجاه الموثوق به! و هذة أشد درجات الإيمان فى رأيى!

و أكبر مثال على هذا هو كما فكرت أنت تماماً الآن ، الإيمان بالله
فالمؤمنون لا يمكن تحديد قوة إيمانهم أو ثقتهم المُطلقة بالله إلا فى حالة الأزمات فقط ، لأنه عندما تسير الأمور على ما يُرام سيدعى الجميع أنه مؤمن رغم أن هذا حكم متسرع سابق لأوانه
أما فى حالة الأزمات الشديدة و الصعاب فيستمر المؤمنون فى الثقة بالله حتى لو تعرضوا لخبرات و أحداث سيئة ، فى هذة الحالة تكون الثقة مُطلقة و راسخة وبالطبع تختلف درجة إيمان كل شخص عن الآخر، فلا يوجد ما يُسمى بمؤمن أو ملحد تماماً.

أما عن اولئك الذين يريدون التأكد أو دليل علمى واحد من بحر الأدلة العلمية على وجود الله
فسأنقل لكم تجربة علمية مذهلة شاهدتها على الإنترنت من أيام قليلة
و هذة التجربة تتلخص فيما قام به الممثل الأمريكى (مورجان) بتجربة علمية لمعرفة أثر الإيمان بالله على الفص الجبهى للمخ مع العلم أن مورجان فى الأصل غير مؤمن بوجود إله و لا يتبع أى ديانة ، و قام بتلك التجربة عن طريق الدكتور (آندى نيوبرج) و هو طبيب أعصاب يحاول إبتكار مجال دراسة جديد يسمى ( الإلهيات العصبية) و قد أجرى العديد من الأبحاث عن كيفية تفاعل الدماغ مع التأمل الروحى على سبيل المثال.

كانت هذة العملية تتضمن ثلاث خطوات أساسية و هى:

1- إجراء مسح ثلاثى الأبعاد على دماغ الممثل مورجان

2- حقن جسمه بمادة مُشعة تحت إشراف طبى كبير نظراً لخطورة المادة و بعد الحقن مباشرة يقوم (مورجان) فى مكان هادئ بغلق عينيه و يحاول التأمل فى وجود الله بالطريقة التى يظنها هو لمدة 12 دقيقة لمعرفة أثر ذلك على الدماغ.
فالتأمل فى وجود الله هنا يشبه فى تأثيره تلاوة الصلوات و الخشوع و الإستسلام التام لله كما هو الحال فى الديانات السماوية الثلاثة مع إختلاف الطرق فقط.
و بعد إنتهاء مدة التأمل و بواسطة هذا الكاشف المشع فى مجرى الدم يستطيع الطبيب أن يقيس كمية الدم الذى يتدفق عبر أجزاء مختلفة من الدماغ ، فكلما استُخدم جزءاً ما من الدماغ أكثر كلما تكدست المادة المُشعة فيه.

3- أما الخطوة الثالثة و الأخيرة هى إجراء مسح ثلاثى الأبعاد على الدماغ فى الحال بعد التأمل قبل أن يخرج الكاشف المشع من الجسم و ذلك لإجراء مقارنة بين رسم الدماغ قبل التأمل و بعد التأمل و معرفة الفارق

و بالنظر إلى النتيجة وجد الطبيب أن تجمع الدم فى الفص الجبهى ضئيل للغاية قبل التأمل بينما زاد بشكل ملحوظ بعد التأمل و تفتح الفص الجبهى!
و قد أوضح الطبيب أنه إذا كنت تتأمل الله أو تقوم بتلاوة صلوات معينة فإن الفص الجبهى يتفتح كما حدث تماماً لمورجان
و هنا علينا سؤال أنفسنا سؤال هام جداً : هل يوجد فرق بين المؤمن الذى يتأمل صورة الله أو يصلى و بين شخص مُلحد يقوم بالتأمل ذاته فى صورة الله؟
هل ستكون النتيجة واحدة لأن التأمل واحد أم أن هناك فارق بين تأمل المؤمن و الملحد؟
قام نفس الطبيب من قبل بإجراء مقارنة بين شخصين أحدهما مؤمن و كان يتلو الصلوات و يتأمل فى الله و الآخر كان يتأمل كثيراً فى الواقع و طلب منه الطبيب أن يتأمل فى الله على سبيل التجربة فقط و هو غير مؤمن فعلياً.
و كانت النتيجة المُذهلة هنا أن الفص الجبهى للملحد لم ينشط كثيراً حتى مع التأمل بالمقارنة بالشخص المؤمن بوجود الله و قد استنتج الطبيب من هذا أنه حتى بعد محاولة الشخص التركيز و التأمل و هو فى الأصل غير مؤمن فلن ينجح الأمر فى تفتح الفص الجبهى!
و من هنا نستنتج أن الإيمان فى الواقع لا يقل أهمية عن ممارسة طقوس ديانة معينة ، فالأهم من الطقوس ، هل أنت مؤمن و مستسلم لقدر الله؟ هل الأمر يعنيك فعلاً؟
فالإيمان بوجود الله و الثقة المُطلقة به حتى مع تعرضنا للمواقف و الخبرات الجيدة و السيئة هو ما يؤثر على أجسادنا و أرواحنا أكثر من أى شئ آخر، و يستلزم هذا الإيمان طاقة نفسية إيجابية هائلة و شعور حقيقى بأهمية الأمر
و لذلك نرى الكثير منا عندما لا يشعر بالراحة فى حياته أو عندما يواجه الكثير من الضغوط ، نراه مهتم بـ (آداء) طقوس دينه أكثر من الإيمان الكلى به و التأمل فيه و الخشوع أثناء تأدية طقوسه لذلك لا يشعر بالراحة النفسية حتى بعد آداء الطقوس الدينية لأن الأمر أكبر من ذلك بكثير
فالإيمان بالله أولاً و أخيراً هو ما يؤثر علينا ، و اختبار الله فى عقلنا و الإيمان به يغير الدماغ و يغير الطريقة التى نرى بها العالم بالمعنى الحرفى للكلمة.

هناك 7 تعليقات: