الاثنين، 23 سبتمبر 2019

بين القارئ و المقروء


ما يجب أن يعرفه القارئ فى البداية أن القراءة ليست مجرد المرور بنظرنا على الكلمات و الحروف سواء كانت فى مقال أو كتاب ورقى أو إلكترونى
بل إن القراءة لها معنى شمولى و أعمق بكثير مما تبدو عليه
فمثلاً : إذا جربت قراءة مقال أو كتاب تقوم عينيك بالتنقل بين الحروف و الكلمات حتى نهاية المقال ، و لكن إن لم تدرك ما تقرأه و تفهم ما بين السطور و تستنتج ما يريد الكاتب إيصاله لك من معلومات أو من شعور معين فأنت لم تقم بالقراءة بعد !!
و بناءاً على ذلك فإن القراءة الصحيحة لها قواعد معينة عليك تطبيقها حتى تحقق أكبر إستفادة

على مر السنين قامت الكتب بلعب الدور الأساسى فى بناء حضارات كاملة و تغير حياه أشخاص أثروا بدورهم فى المجتمع و فكره و على ضوء القراءة قام الكثيرون بتصحيح مفاهيم كثيرة خاطئة و أصبحوا أقل تعصباً و أكثر تفتحاً من ذى قبل
و قد تسأل نفسك ببساطة : لماذا أقرأ و قد وصلت لمستوى إجتماعى كبير أو بقدر كافى من الحكمة حتى أمضى قدماً فى حياتى؟

و الإجابة ببساطة أن أحداث العالم متسارعة للغاية من حولنا و كل شئ يحدث من حولنا قابل للتغيير فى أى وقت ، و قد تجد عامة الناس تمشى مع تيار التغيير دون تفكير لأنهم لا يريدون أن يتأخروا عن مواكبة العصر
و لكن قلة قليلة فقط من الناس يسألون أنفسهم إذا كان هذا التغيير صحيح ؟ و إلى أى هدف يأخذنا هذا التغيير من حولنا؟
و هنا تأتى فائدة القراءة العظمى
فأنت لم تعد أنت كلما قرأت كتاباً ، إذا فكرت فى الأمر ستجد حتماً تغييراً ملحوظاً فى شخصيتك و نظرتك للأمور من حولك و فهمك لها
و قد يكون هذا التغيير إيجابياً أو سلبياً ، و يتوقف ذلك على ما تقرأه من كتب
هل هذة الكتب مُلهمة؟ هلى هى إيجابية؟ هل ما ورد فيها من معلومات صحيح؟
و على العكس من ذلك نجد من لا يقرأ أفكاره باليه ، لا يستطيع إدراك الأمور من حوله و حتى إن كان يقرأ فى الماضى و توقف فجأة سيصاب بالركود فى الأفكار ، لأن عملية القراءة يجب أن تكون مستمرة و متجددة و تتغير بتغير العالم من حولنا .
و الغريب فى الأمر أن إنطباع كل شخص عن قراءة نفس الكتاب مختلفة تماماً
لأن حكم هذا الشخص على الكتاب سواء كان جيداً أو سيئاً يعود إلى خلفية الفرد الفكرية و المحيط الأسرى و الإجتماعى الذى نشأ فيه و قدراته العقلية و أرائه و أهدافه ووجهته. لذلك ستجد العديد من الأشخاص لديهم آراء متباينة تماماً حول نفس الكتاب 

بل إن أعجب ما فى الأمر أن تقييم نفس الشخص عند قراءة نفس الكتاب فى زمانين مختلفين قد يختلف
أى أنه يمكن أن تقرأ كتاباً معيناً فى مرحلة الدراسة و تجده رائعاً و بعد ثلاث سنوات على سبيل المثال قد تقرأ نفس الكتاب و لاتجده جيداً حتى أو أن تبدأ بإنتقاده
و ذلك كما قلت من قبل أنك فكر الشخص ينمو و لا يبقى كما هو ابداً.

القراءة تلخص حياه الكثيرون ، فففى كل كتاب أو مقال حاول أن تقرأ بفكرك و عقلك أنت تارة و بعين الكاتب تارة أخرى
فإذا قرأت بفكرك ستحكم بناءاً على خلفيتك الثقافية على هذا الكتاب  و تقيمه فى النهاية
أما إذا قرأت بعين الكاتب أو المؤلف نفسه فعليك أن تمتلك خيالاً خصباً ينقلك من حياتك إلى حياه الكاتب
لماذا كتب هذا الكتاب؟ و أى خلفية فكرية نشأ عليها؟ من أى بلد هو؟ و هل هذا المؤلف متحيز أو متعصب لآراء معينة؟

إذا أردت تنمية مهاراتك فى القراءة فعليك أولاً بإختيار الكتاب الصحيح و البعد عن أى تطرف أو تعصب
فى البداية ستجد نفسك أمام بحر من الكتب لا ينتهى ولا تدرى كيف تختار الكتاب المناسب لك ، لذلك سأكتب عن بعض المعايير الواجب توافرها أثناء إختيارك للكتاب


أولاً : اختر الكتاب المناسب لك حسب احتياجك ، فإذا كنت طالباً ربما ستحتاج إلى الكتب التى توجهك إلى كيفية إختيار مستقبلك أو ما الذى ستفعله فى وقت فراغك
ربما كذلك ستحتاج إلى كتاب ( العادات السبع للناس الأكثر فعالية )
و إذا كنت قائد جوالة أو عضو فى فريق فى المدرسة أو الجامعة ربما ستحتاج إلى كتاب يتحدث عن القيادة السليمة
و إذا كنت موظفاً فى إحدى الشركات يمكنك إختيار كتب عن العمل فى فريق و التعامل مع زملاء العمل
و قد تحتاج إلى كتاب عن الثقة بالنفس فى التعامل مع الناس إذا كنت خجولاً و هكذا ..
إذاً فأختيارك للكتاب مبدأياً يجب أن يعتمد مدى حاجتك لهذا الكتاب

ابحث فى الإنترنت عن نوع الكتب التى تحتاجها و اقرأ مراجعات عن الكتاب الذى اخترته فى المواقع المخصصة لذلك مثل موقع Good reads
و لكن احذر ، لا تنخدع بسمعة الكتاب الرائعة فتظنه كتاباً رائعاً أو بتقييمات الكتاب المنخفضة جداً فتظنه كتاباً لا يستحق القراءة حتى ، فكما قلنا من قبل يختلف الأشخاص فى حكمهم على كل شئ من حولهم فما بالك بالكتب!

حينما تكون مستعداً للقراءة جرب هذة النصائح كى تحب القراءة أكثر و لا تمل منها بسرعة و لكن إحذر بعض النقاط :

1- أقرأ من 3 إلى 9 صفحات يومياً حينما تجد الوقت مناسباً لذلك ، لا تقل ليس لدى وقت ابداً
سواء كنت طالباً أو موظفاً أو كنتِ ربة منزل فيمكنكم جميعاً تخصيص ساعة واحدة أو أقل للقراءة يومياً سواء قبل النوم أو فى وقت الإستراحة أو فى الصباح الباكر قبل الإنشال فى الأعمال اليومية
و احذر من التباهى بكثرة ما قرأته من كتب و تذكر دائما أن محتوى ما تقرأه و تحقيق الإستفادة منه أهم من عدد ما قرأ دون فهم و تركيز.

2- يمكنك كذلك تحميل تطبيقات القراءة على الهاتف المحمول ، فبعض الناس لا يسعهم الجلوس فى مكان واحد ممسكين بكتاب ورقى ، جرب تحميل الكتاب بصيغة PDF إذا قررت القراءة فى الأماكن العامة أو فى المواصلات .
3- فكر كيف يمكن تطبيق ما قرأته؟
إذا شعرت أن الكتاب الذى بين يديك يخاطب عقلك و أنه كتاب مفيد و إيجابى و مُلهم ، فأنت حتماً تحقق أقصى إستفادة من خلال قراءة هذا الكتاب
قارن الأحداث من حولك مع أفكار الكتاب و فكر أيهما صحيحا فعلاً؟ هل تحتاج للتغيير فى حياتك؟ أم أن الكتاب مبالغ فى بعض النقاط؟
حاول التفكير بحيادية قدر المستطاع ولا تجعل ميولك و أفكارك و انتمائاتك السابقة تؤثر عليك فوراً و أن ترفض الكتاب لمجرد أنه ينتقد شئ أنت مؤمن به فعلاً

4- هل ما تقرأه صحيحاً؟ هل تحرى الكاتب الدقة أثناء الكتابة؟
عليك التأكد من ذلك بنفسك و لا تجعل أى شخص أخر يفكر عنك و يقنعك رغماً عنك بما لا تريد الإقتناع به
فكر و حلل و إستنتج و انقد
و تذكر أننا كلنا نختلف عن بعض فى الكثير من الأمور ، و أن الإختلاف لا يعتبر مشكلة و أن النقاش هو الوسيلة المنطقية للتعبير عن رأيك مع المعارضين له
فبعد قراءة مقال معين مثلاً ، جرب قراءة المعارضون لما جاء فى المقال و تعمق فى التفكير عن هذا الإختلاف و حدد إلى أى رأى تنتمى أنت؟

5- إذا كنت من هواه قراءة دواوين الشعر فعليك بفهمه جيداً ، هل هذا الشعر جيد؟ هل هو سليم لغوياً و يعطى معنى؟
اقرأ عن آراء نقاد هذا الشعر و لا تنخدع بالكلام المنمق
فغالباً ما يعتقد الناس أن الكلام المنمق الذى يعطى جرساً موسيقياً و ينتهى بنهايات متوائمة على أنه منطقى و عظيم ، و قد يكون هذا صحيحاً أو خاطئاً
فعليك التركيز على مشاعرك و عقلك أثناء القراءة لتتبين إذا كان شعراً جيداً أم لا
قال أحدهم ذات مرة أن الشعر الجيد هو الذى إذا تمت ترجمته إلى لغه أخرى غير الذى كتب به و إحتفظ برقى المعنى دون تشوه لهو شعر عظيم

6- شجع الآخرون على القراءة عن طريق ترك انطباعك عن ما قرأت ، و ذلك من خلال مواقع تقييم الكتب كما قلت أو حتى شفوياً ، يمكنك الحديث مع الأقارب و الأصدقاء عن كتاب جيد قرأته و ما الذى استفدته منه و بذلك تساهم فى نشر المعرفة و لغة الحوار

7- جرب قراءة ما هو معارض لأفكارك ، و تلك النقطة تأتى فى مرحلة متأخرة بعد اندماجك مع الكتب التى تشبه عقلك و تجدها مناسبة لك ، فإذا كنت جديد فى قراءة الكتب لا تقرأ ما هو معارض لأفكارك فى البداية ، حينها ستظن أن الكتاب عدو لدود و أن القراءة شئ لا فائدة منه !

8 - جرب القراءة فى مجال آخر حينما تكون مستعد لذلك ، لأنك لن تعرف أبداً إذا كنت تحب مجال معين إلا إذا قرأت فيه
إذا كنت من هواه الأدب و الشعر و الروايات فجرب قراءة كتاب عن علم الفلك أو علم النفس أو حتى الفلسفة
فربما ينقلك كتاب فى مجال أنت بعيد عنه كل البعد إلى اهتمام كبير بهذا المجال و بذلك تتنوع أفكارك و تحقق أقصى فائدة

9- أثناء قرائتك لأى كتاب احضر دفتر خارجى و قلماً و دون كل العبارات التى تجد أنها مفيدة فعلاً و تستحق الرجوع لها بعد الإنتهاء من الكتاب و أنها مفيدة فى الحياه العملية
بعض الناس يلجأ لطى صفحة مهمة فى الكتاب و البعض يلجأ لحيلة الدفتر و القلم
و حالياً هناك من يعتمد على النوتة الإلكترونية على الحاسوب أو الهاتف المحمول حتى يستطيع العودة لجملة بعينها بمجرد البحث عنها

فى النهاية أنصح الجميع بالقراءة فهى ليست مجرد هواية ، بل هى نتاج العديد من الحيوات و الخبرات للكتاب فى عدة صفحات

هناك تعليقان (2):

  1. جملية جدا المقال ربنا يوفقك في القادم

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً جزيلاً لك
      أتمنى أن كل المقالات تنال إعجابك دائماً

      حذف